فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ}
والحق سبحانه لا يظلم أحدًا، ولا يعذب قومًا إلا بعد أن يكفروا بالرسول الذي أرسله إليهم، وهو سبحانه القائل: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24].
وهو سبحانه القائل أيضًا: {لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131].
فلا تجريم ولا عقوبة إلا بنص وببيان لتجريم هذا الفعل أو ذاك، بإرسال الرسل؛ حتى لا يحتج أحد بأنه لم يصل إليه شيء يحاسب بمقتضاه.
والحق سبحانه هنا يبيِّن أن لكل أمة رسولًا يتعهدها بأمور المنهج.
وقد خلق الحق سبحانه كل الخلق، وكانوا موحِّدين منذ ذرية آدم عليه السلام ثم اقتضت الأحداث أن يتباعدوا، وانتشروا في الأرض، وصارت الالتقاءات بعيدة، وكذلك المواصلات، وتعددت الآفات بتعدد البيئات.
ولكن إذا تقاربت الالتقاءات، وصارت المواصلات سهلة، فما يحدث في الشرق تراه في لحظتها وأنت في الغرب، فهذا يعني توحُّد الآفات أو تكاد تكون واحدة؛ لذلك كان لابد من الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، أما في الأزمنة القديمة، فقد كانت أزمنة انعزالية، تحيا كل جماعة بعيدة عن الأخرى؛ ولذلك كان لابد من رسول لكل جماعة؛ ليعالج داءات البيئة، أمَا وقد التقت البيئات، فالرسول الخاتم يعالج كل الداءات.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [يونس: 47].
وقد حكى التاريخ لنا ذلك، فكل رسول جاء آمن به البعض، وكفر به البعض الآخر، والذين آمنوا به انتصروا، ومَنْ كفروا به هُزِمُوا.
أو أن الآية عامة: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} أي: تُنادي كل أمة يوم القيامة باسم رسولها، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أمة موسى، ويا أمة عيسى... إلخ.
والحق سبحانه يقول: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 4142].
إذن: فالحق سبحانه هنا يبيِّن أن لكل أمة رسولًا جاءها بالبلاغ عن الله، وقد آمن به مَنْ آمن، وكفر به مَنْ كفر، وما دام الإيمان قد حدث وكذلك الكفر فلابد من القضاء بن المؤمنين والكافرين. لذلك يقول الحق سبحانه: {فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [يونس: 47]. وما دام في الأمر قضاء، فلابد أن المؤمن يَعتبر الكافر منازعًا له، وأن الكافر يَعتبر المؤمن منازعًا له، ويصير الأمر قضية تتطلب الحكم؛ لذلك يقول الحق سبحانه: {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [يونس: 47].
أي: يُقضي بينهم بالعدل، فالمؤمنون يتقصَّى الحق سبحانه حسناتهم ويزيدها لهم، أما الكافرون فلا توجد لهم حسنات؛ لأنهم كفروا بالله الحق؛ فيوردهم النار، وهم قد أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي يوم يُسألون فيه عن كل شيء، فاستبعدوا ذلك وقالوا: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأولون} [الصافات: 1617].
لقد تعجبوا من البعث وأنكروه، لكنهم يجدونه حتمًا وصدقًا.
ويشاء الحق سبحانه أن يُدخل عليهم هذه المسألة دخولًا إيمانيًا، فيقول: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} [ق: 15].
فأنتم إذا متُّم وتحلَّلتم في التراب، أيعجز الله سبحانه أن يخلقكم من جديد؟ لا؛ إنه سبحانه القائل: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق: 4].
أي: أنه سبحانه يأمر العناصر الخاصة بكل إنسان أن تتجمَّع كلها، وليس هذا بعسير على الله الذي خلقهم أولًا.
وهم كَذَّبوا واستنكروا واستهزأوا بمجيء يوم القيامة والبعث، وبلغ استهزاؤهم أن استعجلوا هذا اليوم، وهذا دليل جهلهم، وكان على الواحد منهم أن يفر من هول ذلك اليوم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} وفيما بعد من هذه السورة: {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} وفى سورة الزمر: {وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون} وفى آخر السورة: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} فورد في الموضعين من سورة يونس: {بالقسط} وفى الموضعين من سورة الزمر: {بالحق} فللسائل أن يسأل عن الفرق؟
ووجه ذلك والله أعلم أن القسط يراد به العمل والتسوية في الحكم فمظنة وروده حيث يراد موازنة الجزاء بالأعمال من غير زيادة كما قال تعالى في جزاء الكافرين: {جزاء وفاقا} أي موازنا لأعمالهم موافقا لها: {ولا يظلم ربك أحدا} والحق الصدق فوروده حيث يراد تصديق وعيد أو إخبار متقدم وإن الله سبحانه وعد المؤمنين بزيادة الأجور والإحسان بما يفوت الغايات ويفوق الحصر ولم يجعل جزاءهم على أعمالهم الدينية وفاقا لأعمالهم في مقادير الجزاء بل قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} وقال تعالى: {وسنزيد المحسنين} وقال تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} ومنه جعل الحسنة بعشر أمثالها وهذا كثير في الكتاب والسنة ولما كان الوارد في آيتى الزمر منزلا على الحكم حقا بين النبيين والشهداء والملائكة قال تعالى: {وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم} وقال تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم} والضمير في الأولى إما أن يكون للنبيين والشهداء ولا كونه في أن هؤلاء ممن يضاعف أجورهم فجئ بقوله: {بالحق} تصديقا لما وعدوا من الزيادة وليس موضع ورود القسط وإما أن يكون للخلق كافة وفيهم المؤمن والكافر فورد قوله: {بالحق} تصديقا لما ورد في حق الفريقين من الزيادة في أجر المؤمن والعدل في حق الكافر فلا يظلم مثقال ذرة وإنما جزاؤه وفاق عمله ولا يصح هذا إن لو قيل: {وقضى بينهم بالقسط} وعلى هذا ما ورد في الآية الأخيرة من فروق.
وأما آيتا يونس فقد تقدم الأولى منهما غير ما آيات في تأنيس نبينا صلى الله عليه وسلم وتعنيف كفار قريش ووعيدهم وتسليته عليه السلام في إبراهيم ألا ترى ختام الآى قبلها بقوله: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم} أي فسأجرى تكذيبهم عيانا لا يجدون محيصا عنه ثم قال: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم} أي حضرهم في القيامة وقد كذبوه في الدنيا قضى بينهم وبينه فصدق زكذب معانده فنجا المصدق وهلك المكذب ولما لم يقصد هنا تفضيل أحوال المصدقين بل لحظ الطرفان من التصديق والتكذيب كان موضع التعبير بالقسط الذي هو العدل بين المصدق والمكذب وإنما بناء الآى على إرغام المكذبين ولا يناسب هذا إلا ذكر العدل بحسب ما بنيت عليه الآى قبله وأما قوله في الآية بعد: {واشتروا الندامة لما رأوا العذاب} فمسرو ندامتهم هم المكذبون وهم المشاهدون العذاب والضمير في قوله: {وقضى بينهم} عائد عليهم فليس موضع التعبير بقوله: {بالحق} لما قد تبين فقد وضح ورود كل من هذه الآى على ما يناسب ويلائم ولا يناسب خلافه. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}
لم يُخْلِ زماناَ مِنْ شَرِعٍ، ولم يُخْلِ شرعًا مِنْ حُكْم، ولم يُخْلِ حُكْمًا مما يُعْقُبُه من ثواب وعقاب. اهـ.

.تفسير الآيات (48- 49):

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما تقدم في هذه الآيات تهديدهم بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، حكى سبحانه جوابهم عن ذلك عطفًا على قوله: {ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} فقال: {ويقولون} أي هؤلاء المشركون مجددين لهذا القول مستمرين على ذلك استهزاء: {متى هذا الوعد} أي بالعذاب في الدنيا أو في الآخرة، وألهبوا وهيجوا بقولهم: {إن كنتم} أي أنت ومن قال بقولك: {صادقين} والقول كلام مضمن في ذكره بالحكاية وقد يكون كلام لا يعبر عنه فلا يكون له ذكر مضمن بالحكاية، فلا يكون قولًا لأنه إنما يكون قولًا من أجل تضمن ذكره بالحكاية- قاله الرماني، ولتضمين جعل الشيء في وعاء؛ والوعد: خبر بما يعطي من الخير، والوعيد: خبر بما يعطى من الشر، وقد يراد الإجمال كما هنا فيطلق الوعد على المعنيين: وعد المحسن بالثواب والمسيء بالعقاب؛ والصدق: الخبر عن الشيء على ما هو به؛ والكذب: الخبر عنه على خلاف ما هو به.
ولما تضمن قولهم هذا استعجاله صلى الله عليه وسلم بما يتوعدهم به، أمره بأن يتبرأ من القدرة على شيء لم يقدره الله عليه بقوله: {قل} أي لقومك المستهزئين: {لا أملك لنفسي} فضلًا عن غيري؛ ولما كان السياق للنقمة، قدم الضر منبهًا على أن نعمه أكثر من نقمة؛ وأنهم في نعمه، عليهم أن يقيدوها بالشكر خوفًا من زوالها فضلًا عن أن يتمنوه فقال: {ضرًا ولا نفعًا}.
ولما كان من المشاهد أن كل حيوان يتصرف في نفسه وغيره ببعض ذلك قال: {إلا ما شاء الله} أي المحيط علمًا وقدرة أن أملكه من ذلك، فكأنه قيل: فما لك لا تدعوه بأن يشاء ذلك ويقدرك عليه؟ فقيل: {لكل أمة أجل} فكأنه قيل: وماذا يكون فيه؟ فقيل: {إذا جاء أجلهم} هلكوا؛ ولما كان قطع رجائهم من الفسحة في الأجل من أشد عذابهم، قدم قوله: {فلا يستأخرون} أي عنه: {ساعة} ثم عطف على الجملة الشرطية بكمالها: {ولا يستقدمون} فلا تستعجلوه فإن الوفاء بالوعد لابد منه.
والسين فيهما بمعنى الوجدان، أي لا يوجد لهم المعنى الذي صيغ منه الفعل مثل: استشكل الشيء واستثقله، ويجوز كون المعنى: لا يوجدون التأخر ولا التقدم وإن اجتهدوا في الطلب، فيكون في السين معنى الطلب والملك قوة يتمكن بها من تصريف الشيء أتم تصريف، والنفع: إيجاب اللذة بفعلها والتسبب المؤدي إليها؛ والضر: إيجاب الألم بفعله أو التسبب إليه؛ والأجل: الوقت المضروب لوقوع أمر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
اعلم أن هذه الشبهة الخامسة من شبهات منكري النبوة فإنه عليه السلام كلما هددهم بنزول العذاب ومر زمان ولم يظهر ذلك العذاب، قالوا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، واحتجوا بعدم ظهوره على القدح في نوبته عليه السلام، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
أن قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} كالدليل على أن المراد مما تقدم من قوله: {قُضِىَ بَيْنَهُمْ بالقسط} [يونس: 47] القضاء بذلك في الدنيا، لأنه لا يجوز أن يقولوا متى هذا الوعد عند حضورهم في الدار الآخرة، لأن الحال في الآخرة حال يقين ومعرفة لحصول كل وعد ووعيد وإلا ظهر أنهم إنما قالوا ذلك على وجه التكذيب للرسول عليه السلام فيما أخبرهم من نزول العذاب للأعداء والنصرة للأولياء أو على وجه الاستبعاد لكونه محقًا في ذلك الإخبار، ويدل هذا القول على أن كل أمة قالت لرسولها مثل ذلك القول بدليل قوله: {إِن كُنتُمْ صادقين} وذلك لفظ جمع وهو موافق لقوله: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ} [يونس: 47] ثم إنه تعالى أمره بأن يجيب عن هذه الشبهة بجواب يحسم المادة وهو قوله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء الله} والمراد أن إنزال العذاب على الأعداء وإظهار النصرة للأولياء لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه، وأنه تعالى ما عين لذلك الوعد والوعيد وقتًا معينًا حتى يقال: لما لم يحصل ذلك الموعود في ذلك الوقت، دل على حصول الخلف فكان تعيين الوقت مفوضًا إلى الله سبحانه، إما بحسب مشيئته وإلهيته عند من لا يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح، وإما بحسب المصلحة المقدرة عند من يعلل أفعاله وأحكامه برعاية المصالح، ثم إذا حضر الوقت الذي وقته الله تعالى لحدوث ذلك الحادث فإنه لابد وأن يحدث فيه، ويمتنع عليه التقدم والتأخر.
المسألة الثانية:
المعتزلة احتجوا بقوله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء الله} فقالوا: هذا الاستثناء يدل على أن العبد لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا الطاعة والمعصية، فهذا الاستثناء يدل على كون العبد مستقلا بهما.
والجواب: قال أصحابنا: هذا الاستثناء منقطع، والتقدير: ولكن ما شاء الله من ذلك كائن.
المسألة الثالثة:
قرأ ابن سيرين: {فإذا جاء أجلهم}
المسألة الرابعة:
قوله: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} يدل على أن أحدًا لا يموت إلا بانقضاء أجله، وكذلك المقتول لا يقتل إلا على هذا الوجه، وهذه مسألة طويلة وقد ذكرناها في هذا الكتاب في مواضع كثيرة.
المسألة الخامسة:
أنه تعالى قال ههنا: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} فقوله: {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} شرط وقوله: {فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} جزاء والفاء حرف الجزاء، فوجب إدخاله على الجزاء كما في هذه الآية، وهذه الآية تدل على أن الجزاء يحصل مع حصول الشرط لا متأخرًا عنه وأن حرف الفاء لا يدل على التراخي وإنما يدل على كونه جزاء.
إذا ثبت هذا فنقول: إذا قال الرجل لامرأة أجنبية إن نكحتك فأنت طالق قال الشافعي رضي الله عنه: لا يصح هذا التعليق، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصح، والدليل على أنه لا يصح أن هذه الآية دلت على أن الجزاء إنما يحصل حال حصول الشرط، فلو صح هذا التعليق لوجب أن يحصل الطلاق مقارنًا للنكاح، لما ثبت أن الجزاء يجب حصوله مع حصول الشرط، وذلك يوجب الجمع بين الضدين، ولما كان هذا اللازم باطلًا وجب أن لا يصح هذا التعليق. اهـ.